يجيب على هذه الفتوى الدكتور عبدالله سمك: ذَهَبَ جُمْهُورُ
الْفُقَهَاءِ، وَمِنْهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ
أَرْجَحُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ مَالِكٍ ، وَإِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْ
أَبِي يُوسُفَ إِلَى أَنَّ الأْضْحِيَّةَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ.
وَهَذَا
قَوْل أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَبِلاَلٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ
وَسُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءٍ
وَعَلْقَمَةَ وَالأْسْوَدِ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ
الْمُنْذِرِ.
وَاسْتَدَل الْجُمْهُورُ عَلَى السُّنِّيَّةِ
بِأَدِلَّةٍ : مِنْهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: {إِذَا
دَخَل الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلاَ يَمَسَّ مِنْ
شَعْرِهِ وَلاَ مِنْ بَشَرِهِ شَيْئًا}.
وَوَجْهُ الدَّلاَلَةِ فِي
هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال:
{وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ} فَجَعَلَهُ مُفَوَّضًا إِلَى إِرَادَتِهِ، وَلَوْ
كَانَتِ التَّضْحِيَةُ وَاجِبَةً لاَقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: {فَلاَ
يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ}.
وَمِنْهَا أَيْضًا
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَا لاَ
يُضَحِّيَانِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، مَخَافَةَ أَنْ يُرَى ذَلِكَ
وَاجِبًا. وَهَذَا الصَّنِيعُ مِنْهُمَا يَدُل عَلَى أَنَّهُمَا عَلِمَا
مِنَ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَمَ الْوُجُوبِ،
وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلاَفُ ذَلِكَ. وَذَهَبَ
أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ
الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ
أَبِي يُوسُفَ. وَبِهِ قَال رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ
وَالأْوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.
وَاسْتَدَلُّوا
عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصَل لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} فَقَدْ
قِيل فِي تَفْسِيرِهِ صَل صَلاَةَ الْعِيدِ وَانْحَرِ الْبُدْنَ،
وَمُطْلَقُ الأْمْرِ لِلْوُجُوبِ، وَمَتَى وَجَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَ عَلَى الأْمَّةِ لأِنَّهُ قُدْوَتُهَا.
وَبِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَنْ كَانَ لَهُ
سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنَا}، وَهَذَا
كَالْوَعِيدِ عَلَى تَرْكِ التَّضْحِيَةِ، وَالْوَعِيدُ إِنَّمَا يَكُونُ
عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ.
وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ
وَالسَّلاَمُ: {مَنْ ذَبَحَ قَبْل الصَّلاَةِ فَلْيَذْبَحْ شَاةً
مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ}،
فَإِنَّهُ أَمَرَ بِذَبْحِ الأْضْحِيَّةِ وَبِإِعَادَتِهَا إِذَا
ذُكِّيَتْ قَبْل الصَّلاَةِ، وَذَلِكَ دَلِيل الْوُجُوبِ.